هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس
كلام شاغلهم

هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس

 
هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس
هل يرقص أستاذ الجامعة ؟
لعل هذا أعجب سؤال في القرن الحادي والعشرين؟ ولعله أعجب سؤال في هذه البلاد طيلة تاريخها، ذلك لأنه يجمع بين صفتين لا تجتمعان: الجامعة و الرقص.
 
دعنا أولا نقرأ ما يقوله المؤيدون لهذا الموقف كي نفهم وجهة نظرهم:
1. الرقص حرية شخصية لم يؤذ فيها الأستاذ أحدا من طلابه ولا زملائه، لأنه لم يرقص في لجنة انتخابية لتزوير إرادة الناخبين، ولا رقص لرئيس المؤسسة الجامعية كي يمنحه مكافأة مالية أو جائزة أو وظيفة إدارية.
 
2. الرقص عمل فردي لم يترتب عليه إفساد ومحسوبية ومحاباة ، ولطالما رقص الأستاذ دون أن يترتب على رقصه ضرر في الدرجات والمحاضرات فهذا أمره الشخصي وشأنه، يرقص كما يشاء على السطوح أو على البلاج.
 
3. الرقص الفردي البلدي – بالملابس أو المايوة – عمل تافه صغير، حرام نضعه في نفس الفئة بجوار الخطايا الكبرى التي يقوم بها بعض أساتذة آخرون يقبلون الرشاوي الجنسية أو المالية.

هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس
هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس

يقول الأستاذ نفسه إنه خلال فترة مشاكله مع الجامعة بسبب رقصه وأفكاره تلقى منحة أكاديمية للأساتذة المضطهدين في مصر وسافر إلى الولايات المتحدة أمضى فيها عاما أكاديميا مثمرا في بحوثه للغاية.
 
وسأبدأ هنا بهذا الخيط: هل نعتبر هذه نقطة البداية وكلمة السر ومفتاح التفسير؟ هل قام الأستاذ بتلقي الشهرة والتقدير في الولايات المتحدة من خلال نفس السلوك؟ هل كان يجلس في الولايات المتحدة خلال ذلك العام في غرفة مغلقة يقرأ ويترجم أم قام بالتدريس للطلاب عن ثقافة مصر؟ هل كان يرقص في الولايات المتحدة أم انكب على البحث والترجمة والتأليف ولم يشعر أحد به ولا رقصه؟
 
وإلى أن نفكر في إجابة أود أن أتذكر حالة ذات دلالة في ثنائية السلع التي نبيعها للداخل والسلع التي نبيعها للتصدير.
 
قبل أكثر من 15 سنوات تعرض أستاذ جامعي مصري إلى هجمة دينية بسبب طعونه النقدية البلاغية في الكتب المقدسة، وكان أستاذا جامعيا يؤثر تأثيرا كبيرا في وعي وعقول الجيل بمحاضراته المنتظمة للطلاب الذين جاءوا للتو من التعليم الثانوي.
 
وحينما اشتدت الأزمة هاجر وطلب لجوءا إلى دولة أوروبية كي لا يتعرض لأذى بدني ونفسي.
 
وهناك أجرت معه قناة إخبارية عربية حوارا سألته فيه:
“بما أن هذه فرصة مواتية للغاية في المجتمع الأوروبي المتفتح: هل تحاضر هنا في الطلاب عن نفس مشروعك الفكري في مصر بشأن التنوير ونقد الكتب المقدسة وتحليل نصوصها كما لو كانت نصا أدبيا ؟!”
 
وهنا جاء الرد الذي جعلني أعجب بهذا الأستاذ وبعقله النقدي الرائع حين قال للقناة الإخبارية العربية:
 
“احنا هانضحك على بعض؟! ..أقولهم أفكار تنويرية في نقد الكتاب المقدس واعتباره عملا أدبيا؟ كيف وهم الذين اخترعوا النقد والأفكار التنويرية واحنا أخدناها منهم..هو أنا هابيع لهم سلعتهم في بلادهم؟!”.
 
وحتى لا يتشعب الحديث مني في مسألة رقص أستاذ الجامعة، سألخص وجهة نظري في هذا الموضوع البائس في ثلاث أفكار:
– ليس من المنطقي أن نبرر فعلا بائسا لا علاقة له بالجامعة بمبررات الفساد المهني والنفاق الوظيفي والتدليس على الطلاب وتأييد الاستبداد. ولا يجب أن نأخذ الساقطين من أساتذة الجامعة في مستنقع النفاق والتدليس والتحرش الجنسي باعتبارهم القاعدة العامة. سيبقى هؤلاء نسبة محدودة وسط غالبية ملتزمة في هذه المهنة التي تحتضر سريريا لأسباب أخرى لن ينقذها منها التمرد بالرقص البلدي.
 
– مثل هذه السلوكيات تجلب الشهرة أكثر مما تجلب النفع، فبحكم تجربتي في زيارة عدد متنوع من الجامعات في عدة دول في الخارج ، لم أجد مثل هذا السلوك علامة على التجديد والتنوير والتعبير السياسي، صحيح أن بعض الأساتذة لهم بعض علاقات جنسية وسقطات إدارية وأخلاقية وتحيزات سياسية أو عنصرية – مثل طبيعية البشر في كل مكان – لكن القانون لا يسمح بأن يتخذ دليلا على أنه من المسموح والمقبول بهذه السلوكيات لأستاذ يمثل “الحرم” الجامعي ويعد قدوة لطلابه أو ناقلا وموصلا للأفكار والسلوكيات الحضارية.
 
– ربما تبدو مبررات فصل الأستاذ الجامعي من عمله بسبب قيامه بالرقص العلني – بالملابس أو المايوه – سببا شكليا ، لكنه في نظري ليس من زاوية الدفاع عن الدين أو العرف الاجتماعي!
 
فحقيقة الأمر – من وجهة نظري- أن المجتمع به سلوكيات بالغة التجاوز وتضرب بالأخلاق والأعراف عرض الحائط، وتستوجب تدخلا من الدولة فوريا؟ فلو كنا نريد الخير للمجتمع فربما كان الأولى إيقاف فيديوهات وأغاني البلطجة بمثل ما نفكر في عقاب الأستاذ الجامعي الراقص، ومن وجهة نظري فإن الموقف الرسمي يتسق مع عقيدة أخرى أهم من عقيدة الدين وهي عقيدة “الظبط والربط والإحضار” وهي مشكلة أكبر بكثير من مشكلة الرقص وتتجاوز المشهد الساذج إلى بنية التحكم في المجتمع واستيعابه واحتواء عناصر تمرده أو شكواه (تماما مثل امتحانات الثانوية العامة السهلة التي تفوت الفرصة على تجمهر وتمرد الأهالي وإثارة عدم الاستقرار…على حساب مستوى التعليم) .
 
وإذا أردت الحقيقة فإن مختلف صور العوار هذه التي نتحدث فيها هي أعراض عوار لمرض أكبر وأكثر خطورة وهو الحرية السياسية وحرية التعبير عن الرأي بالأشكال المنطقية الطبيعية السليمة المتسقة مع الحس الإنساني وحضارة البشر.
 
اعط للناس حرية الرأي السياسي والفكري بالطرق الشرعية، وطبق القانون على جميع المخالفين دون استثناء، حينها ستكون الفرصة أفضل للعقل والمنطق ولن يلجأ الناس إلى كل غريب وشاذ ولافت.
 
أعتذر انني كتبت عن مشهد أظنه أحد مشاهد تشتيت الوجدان، والسخرية من العقل، وأرجو من الله أن يجنبنا إثارة الجدل العاقر الذي لا يلد عملا صالحا ولا يورث بناء ولا عمرانا.

هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس
هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس

قراءة فى حكم الإدارية العليا
صدمنى حكم الإدارية العليا برفض طعن الدكتورة منى البرنس على حكم ما يسمى مجلس تأديب جامعة السويس القاضى بعزلها من وظيفتها.
و لمن لا يعلم فإن نظام محاسبة أعضاء هىئة التدريس الحالى – شديد الإجحاف- يسمى التأديب رغم ان الدستور ينص على أن كل متهم برئ حتى تثبت إدانته فكيف يحال البرئ الى التأديب؟ …. و يتكون ما يسمى مجلس التأديب من نائب رئيس الجامعة ( رئيسا) و استاذين من كلية الحقوق يعينهما رئيس الجامعة و مستشار منتدب إلى الجامعة ….. أى أن إدارة الجامعة هى الخصم و هى الحكم ….رئيس الجامعة يحولك إلى التأديب و يرسل إليك نائبه و من يختارهم لمحاكمتك ! … و يعتبر هذا المجلس – رغم افتقارة لأدنى درجات الحيادبة-درجة أولى من التقاضى أى أنه ليس أمامك بعده إلا الإدارية العليا للطعن.
ثم نأتى لحيثيات الحكم ….. كانت الأحكام السابقة للإدارية العليا قد وضعت قواعد لمحاسبة جهة العمل للعاملين بها على منشوراتهم على صفحات التواصل و حصرتها فى نشر اسرار العمل أو الإساءة إلى الزملاء فى العمل حتى صدر هذا الحكم الذى اعتبره صادما لى.
اول ملاحظة كانت غياب مرجعيات دستورية و قانونية للآراء التى تم سردها فى حيثيات الحكم و التى تضمنت : أن الرقص مهنة و لا يمارس الا داخل قاعات …. و هذا مخالف للواقع فالرقص فن و هواية و رياضة و يمارس فى كل مكان فى قاعات أو ساحات او شوارع و أمام لجان الإنتخاب و فى كل المناسبات و الإدعاء بأن من لا يحترف الرقص مجرم إذا لم يرقص فى مكان مغلق أو بشكل سرى إدعاء غريب ليس له من سند قانونى خاثة ان وزارة التعليم العالى بها معاهد للرقص و الجامعات المصرية بها كليات للموسيقى .
و أما نشر فيديوهات شخصية على صفحة شخصية فلا علاقة له بالعمل او بنشر اسرار العمل أو الإساءة للزملاء و هى القواعد التى حددتها الإدارية العليا فى احكامها المتعددة السابقة و ان تلميح المحكمة الى وجود زجاجات خمر فى الفيديوهات يحمل تحاملا واضحا لا يستند على القانون و إنما يستند على معتقدات شخصية فالقانون لا يجرم ذلك و انما يجرم الإضرار بالآخرين نتيجة السكر و الإسلام لم يجعل حدا لمن يجالس الخمر و حتى حد شرب الخمر المختلف عليه فقهيا لم يرد أبدا أنه يتضمن المنع من العمل بل ان كل الحدود فى الإسلام كما جاءت رحمة بالمجتمع كانت رحمة بالمذنب فحرصت على عدم منعه من العمل ( حد السرقة قطع اليد التى لا تعمل و ليس فيه سجن ) و لم يرد السجن الا فى حد الحرابة و هو الخطورة الشديدة على المجتمع باستخدام العنف.
كما ذكر الحكم ان المتهمة نشرت صورا بالمايوه و انا لا أعلم أى قانون فى مصر يجرم لبس المايوه أو نشر صور بالمايوه و انا نفسي لى كثير من الصور بالمايوه و نشرتها من قبل على صفحتى فهل يجب أن تفصلنى الجامعة ……و أى جامعة فى العالم تفعل ذلك ؟
و جاء فى الحكم نصا ” لا يجوز لأساتذة الجامعة ان تتخذ من الرقص شعارا بما ينال من هيبتها أمام طلابها ” و هنا منح القاضى لنفسه سلطة التشريع ليسن لنا قانونا جديدا بما يجوز و لا يجوز مخالفا النصوص الدستورية فى حق التعبير السلمى و الحق فى ممارسة الرياضة أو التعبير الفنى و فرض تمييزا سلبيا ضد اساتذة الجامعة فى الحقوق و الحريات بالمخالفة لتص المادة ٩٢ من الدستور ” الحقوق و الحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا أو إنتقاصا و لا يجوز لأى قانون ينظم الحقوق و الحريات أن يقيدها”
كما أن المادة ٥٣ تنص على ” المواطنون أمام القانون سواء و هم متساوون فى الحقوق و الحريات “
و المادة ٥٤ : ” الحرية الشخصية حق طبيعى و هى مصونة لا تمس” بل ان الدولة ملزمة بحماية حق كل مواطن فى استخدام وسائل الإتصال بكافة أشكالها ( مادة ٥٧}.
ثم ذكر الحكم فى حيثياته ان ما اسماه الأخلاق الجامعية مجموعة من المبادئ لكنه لم يذكرها أو يحدد مرجعيتها و ما إذا كان من الممكن ان تخالف الدستور و القانون و تمنع الحريات اللصيقة خاصة إذا كانت تمارس خارج الحرم الجامعى و هل يمكن ان تترك تلك ” الأخلاقيات” للمعتقدات الشخصية فى الملبس و المظهر و التعبير و غيرها و يبدأ الصراع بين اصحاب الثقافات المختلفة أم أن الجامعة واحة للحرية التى ينظمها الدستور و قوانين الجامعة و لوائحها؟
ثم جاءت العبارة التى ادهشت قطاعا كبيرا من الحقوقيين ” حرية المعتقد مكفولة طالما ظلت حبيسة فى النفس” تلك العبارة التى تخالف بشكل صارخ مواد الدستور التى نصحت على حرية التعبير بل إنها تدعو إلى تكميم الأفواة و ترسخ التبرير لمنع من اختلف فى الرأى أو المعتقد من التعبير عن أفكاره رغم ان الدستور فى المادة ٦٥ ” حرية الرأى و التعبير مكفولة و لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير و النشر ” و تنص المادة ٦٤ على ” حرية الإعتقاد مطلقة”
و عاد الحكم ليدعى ان الحريات الخاصة مرتبطة بالسرية و انه طالما تم نشرها اصبح للمجتمع حق المحاسبة تبعا لما سماه الحكم ” قيم المجتمع” و كما نعلم فإن ما يسمى قيم هو معنى مجازى يختلف من انسان الى آخر و ذلك يلمح الى محاسبة خارج إطار القانون تبعا لفهم من يتولى المحاسبة و ما يعتبره قيما حتى لو كان ذلك لا علاقة له بالقانون و فى ذلك هدم لدولة القانون و إحياء للمحاكم العرفية التى لا تخضع إلا لثقافة المحكم.
ثم اظهرت حيثيات الحكم المرجعية التى بنى عليها عندما جاء فيها ” إن الحرية الأكاديمية لا تعنى إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة” تلك العبارة التى لم ترد فى كتاب الله و لا سنة رسول الله و نادى بها بعض المجتهدين و دعوا إلى قتل من خالفهم فى الفكر بحجة إنكاره لما إعتبروه من الدين و كانت هذه هى إحدى بذور الإرهاب و الدعوة إلى القتل على المعتقد و على الإختلاف الفكرى و هى دعوة تخالف التصوص القطعية فى كتاب الله من حرية الفكر و العقيدة ” من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر” ” لكم دينكم و لى دين ” ” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين أن تبروهم و تقسطوا اليهم” و مخالفا لسنة رسوله صلى الله عليه و سلم الذى لم يرفع سيفا الا دفاعا و عاهد المشركين بل و حاباهم فى سبيل السلام و حقن الدماء و كان مبدأه فى معاملة من اختلف معه فى المعتقد أو الفكر هو قوله تعالى ” و جادلهم بالتى هى أحسن” .
قم عادت حيثيات الحكم لتتكلم عن الجامعة و كأنها إختراع مصرى لا يوجد فى أى بلد فى العالم و مأن آلاف الجامعات فى كل دول العالم ليس بها اساتذة يمارسون حياتهم الهاصة بكل حرية و يرقصون و يسبحون و يضعون صورهم على وسائل التواصل و يعبرون عن افكارهم و معتقداتهم على صفحاتهم فى وسائل التواصل الإجتماعى و انه لا توجد جامعة فى العالم تتدخل فى حياة أى استاذ الا إذا أدين بحكم نهائى بفعل مخل بالشرف كالقتل أو السرقة أو غيرها من الأحكام المعروف قانونا أنها تنتقص من الحريات العامة لمن أدين بها . و أما ما ورد فى الحيثيات عن ما سمى ” سمعة الدولة ” أو أن تعبير الأساتذة عن آرائهم و معتقداتهم خارج الجامعة ” يؤثر فى حسن سير المرفق الجامعى و سلامته ” .
إن الحيثيات الواردة بالحكم صورت لى و كأنها دعوة للحسبة على آراء و معتقدات و انشطة استاذ جامعى فى حياته الخاصة خارج الحرم الجامعى و جاءت حيثيات الحكم مخالفة لمبادئ للدستور و حقوق الإنسان و هى تشير الى فكر مشهور يدعو الى التنكيل بكل من اختلف معه فكريا و هذا يدق ناقوس خطر فى مجتمعنا و يطرح علامة استفهام كبير حول مرجعية المجتمع المصرى و الدولة المصرية هل هو الدستور و ما انبثق عنه من قوانين و كذلك المعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر و صارت جزءا من دستورها أم ان هناك مرجعية أخرى؟

هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس
هل يرقص أستاذ الجامعة؟| من وحي قضية منى البرنس
Verified by MonsterInsights