المصادفة والعناية الإلهية
فرندة

المصادفة والعناية الإلهية

 
المصادفة التي هي الاسم الآخر أو المُستعار للعناية الإلهيَّة ، هي لِقَاءٌ روحيٌّ محمول على التلذذ والذوق مِنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ وَلاَ قَصْدٍ ، ولا سبب مُحدَّد ، رتَّبتْه السماء ، ودبَّره القدر ، ورعته المشيئة ، وسقته النفس النقية العالية التائقة إلى الحُب .
المصادفة في الحُب ، هي الآن والآتي في عليائه ، وهي مطر السماء الذي تنتظره أو لا تنتظره ، هو الذي يسقي أرضك العطشى ، الباحثة عن طوق نجاةٍ ؛ كي لا تتيبَّس وتجف عظامها وتهرم على عُودها ، وتموت كأية شجرةٍ وحيدةٍ .
لكنَّ المصادفة – وهي ليست عمياء بالمناسبة بل حادة البصر والبصيرة – لا تأتي إلى غبيٍّ ، فهي تحتاج إلى من كان صاحب قلبٍ جامحٍ صافٍ ، وذهنٍ متقد ، ونفسٍ عارفة ، تقبل الهدية الإلهية ولا ترفسُها بقدميها في نوبةٍ من نوبات العتَه والاستغناء الذي لا طائل من ورائه ولا جدوى .
والمُصادفة – عندي – هي حُلم متكرِّر وتنبؤ يصدقُ، وهي نوعٌ من الكرامات والخوارق التي لا تتكرَّر ، ولا تأتي اعتباطًا ؛ لأن الحواس لا تخدع ، ولا تعرف الكذب ؛ ( ألا ربما أعطتك صادقة َ المنى
مصادفة ُ الأحلامِ من حيثُ تكذبُ
– مهيار الديلمي ، توفي 428 هـجرية / 1037 ميلادية ) ، لذا هي تفرِّق بين المُصادفة والمُحاوَلة الكذُوب للتقرُّب والرغبة العارضة الطارئة ، التي لا عشقَ فيها ، فالمُصادفة هي هدية ل ” الحُب الحقيقي ” المملوء صفاءً وهناءً وحياةً وأملا ، ثم يتبع هذه الحال الحاصلة مشاهدات ومكاشفات هي غاية مطالب المحب ونهاية ثمرة القرب والعشق . والمصادفة هي تاجٌ لروحيْن انتظرا طويلا ، وهي نهاية الرحلة ، وخاتمة المطاف الحياتي لاثنين حلَّا في جسدٍ واحدٍ من فرط ما بينهما من عشقٍ ؛ لأن الشمس تكسفُ حزنًا على فِراقٍ أو كذبٍ في العشق ، وكذا يخسف القمر ألمًا لقلبٍ مهجُورٍ أو مكسُورٍ يحتاج وصلَ وجبرَ من عشقه .
وقلبي لا ينكرُ المُصادفة ولا الكرامة ، ولا يمكن إلغاؤها أو الاستغناء عنها والعيش بدونها ، ففيها لذَّة ومفاجأة : ” رمية نرد لن تلغي المُصادفة أبدًا – ستيفان مالارميه ١٨ من مارس ١٨٤٢ – ٩ من سبتمبر ١٨٩٨ميلادية ” ، بل أحيانًا أراني ابنهما ، ففي المُصادفة سبب صغير يؤدي إلى نتيجة عظيمة ، وما شُفتُ وقرأتُ في تاريخ المتصوفة وأهل العِشق يجعلني أكثر إيمانًا بذلك ، مع تأكيدي أن المُصادفة – وهي قوية كل القوة – لا تذهبُ إلى سائر الخلق ، بل هي ما تختار من تراه لائقًا بها وفي حاجة إليها ، كما أنها هي الأخرى عليها أن تقتنع وتقرَّ بحال المُحتاج والمنتظر لها ، وفي النهاية تصل إلى اليقين و الكمال المطلق ، بعد طول سؤالٍ وبحثٍ للوصول ثم الوصْل .
أحمد الشهاوي

Verified by MonsterInsights